السبت، 26 نوفمبر 2011

ابن النيل




 * كان الصباح يوحي بأنه يوم هاديء لا شيء يعكر صفوه واستيقظ خالد تشيطا كما جرت العاده وجلس علي سريرة بره ليستمع لزقزقة العصافير فالسرير يقع بجوار الشباك وأمامه الباب مباشرة وبجواره المكتب ويليه الدولاب وكان يضع جهاز الكمبيوتر في الجهمة المقابلة من المكتب ، رفع خالد الغطاء وقام ليمارس طقوس حياتة اليومية من الإستحمام وغسيل الأسنان ليتناول بعد ذلك الشاي بالحليب الذي تعده والدته يوميا وكانت الحاجة عطيات وعلي الرغم من كبر سنها الذي تجاوز السبعين تحرص دائما – كما إعتادت – أن تعد ذلك الكوب لخالد ليتناوله قبل الخروج وبعد الإنتهاء من إعداد الكوب ووضعه علي السفرة وبعدما تتأكد من أن خالد تناوله تتركه لتكمل نومها فمازالت الساعة السابعة صباحا ولايوجد شيء لتفعله علي غرار تلك الأيام والتي كانت الحاجة عطيات تستيقظ من الفجر و تظل مستيقظة إلي وقت الفيلولة ولكنها عوامل السن وتغير الزمن تناول خالد كوب الشاي وأخذ في إرتداء بذلته السوداء فهو اليوم علي موعد مع مدير إحدي الشركات الكبري في مجال الكمبيوتر وهو لا يعرف كم هي المرات التي ذهب فيها لمثل هذه المقابلات دون جدوي وقد عرض عليه صديقة محمود أكثر من مره السفر والعمل معه إلي - أمريكا – حيث الحياة والعمل والزواج والحصور علي الجنسية ويستمتع بكامل حقوقة حيث أن خالد كان نابغا في مجاله وكان دائما مايقوم بالأبحاث وبراءات الإختراع في مجال الكمبيوتر وكانت برآه الإختراع الأخيره هي جهاز كمبيوتر يعمل بحرارة الإنسان عند التلامس ولم تلق الفكره الصدي المناسب – كما جرت العادة – لدي المسئوليين ولكنه مازال مصرا علي عدم السفر خارج البلد كما فعل أقرانه من الشباب لأنه يريد أن يراعي والدته التي مازالت علي قيد الحياة ولأنه لا يريد أن يترك تلك البلد في أي حال من الأحوال فهو لم يخرج منها طيلة حياته إلا لأداء مناسك الحج مع والدته ووالده الحج محسن والذي وافته المنيه أثناء تأدية المناسك في ظل تدافع الحجيج وعندما عاد إلي مصر وجد ولامست قدماه المطار طار قلبه من شدة الفرح كمن يفرح باعتراف حبيبه بحبه له وقرر منذ ذلك الوقت مراعاه والدته وعدم التفكير في السفر نهائيا إلا للضرورة القصوي . إرتدي خالد ملابسه ونزل مبكرا ليصل في الموعد المحدد كما تعلم من والدته الذي كان يحرص دائما علي المواعيد وأثناء الطريق رن هاتفه الجوال وكانت السكرتيرة لتخبره أن الموعد قد تأجل ليوم آخر سيتم تحديده لاحقا بسبب الحالة الصحية التي يمر بها رئيس الشركة حيث داهمته أزمة قلبيه صبيحة اليوم دخل علي إثرها العناية المركزة لم يعرف خالد ماذا يفعل وقد تملكه الإحباط حيث أن تلك المقابلة كانت بمثابة الفرصة الأخيره له فقد أجري العديد والعديد من المقابلات والحوارات وتقديم الأبحاث ولكن دون جدوي تذكر وتحويشة العمر التي كانت تدخرها والده قد قربت علي النفاذ وهو لم يجد عملا منذ أن تخرج والتي لم يعد يتذكر في أي عام تخرج فكل الأعوام بعد ذلك قد أصبحت متشابهة فهو يقوم بعمل الأبحاث والإخترعات ويسجل برآتها ولكن دون أي جدوي فهو إلي الآن مازل بدون عمل ولم تشفع له تلك الأبحاث والبراءات عند أصحاب الشركات الكبري وحتي الصغري وقبل أن يتسرب الإحباط الذي تملكه إلي قلبه قرر أن يذهب إلي والده ! فهو لا يريد أن يرجع المنزل في مثل هذا الوقت حتي لا يقلق والدته ووخد نفسه يتجه إلي كوبري قصر النيل حيث إعتاد الجلوس دائما في أوقات الفرح والحزن وحينما كان يغلق هاتفه الجوال ويريده أحد من أصدقاه كان يعثر عليه بسهوله في ذلك المكان ولذلك أطلقوا عليه اسم " ابن النيل " لشدة إرتباطة به فهو مازال يذكر مكانه علي الكوبري وكيف كان والدته يصطحبه إلي ذلك المكان وكانا دائما يجدان ذلك المكان فاراغا مهما بلغ الزحام علي الكوبري وكأنه محجوز لهما وعلي الرغم من إمتلاء الكوبري بالحبيبه وصضب السيارات والباعة المتجولون  وصراخهم كان يجد المكان هادئا جميلا لا يعكر صفوه أي شيء وهو ينظر إلي صفحة النيل والتي إنعكست عليها آشعة الشمس صباحا وأضواء السفن ليلا والقمر في الليالي القمرية فجلس وأخذ ينظر إلي النيل وكانت الشمس قد حولت صفحةا لنيل إلي اللون الذهبي بعد شروقها عليه فوجد في ذلك راحة البال وهدوء النفس وذهب عنه شعوره بلإحباط وعادوه الأمل مجددا فذلك المنظر دائما ما يملأ قلبه بالإطمئنان وتذكر قول والده له " تعلم من النيل " وحينما سأله " ماذا أتعلم ؟ " لم يجبه والده سوي أنه قال " أنظر له وهو سيعلمك ! " وبالفعل وعلي مدار سنوات عده هو مازاليذكر تلك الكلمات وقد تعلم من النيل " الصبر ، الثورة ، الجمال ، هدوء النفس وسكونها ، ... " وغيرها من الأمور مازال النيل يعلمها لأبناءه بدون يأس أو قنوط فلو يأس النيل ما وصلت إلينا قطرة واحده من مائه ! وكذلك الحياة إذا يأست منها وتخليت عن مبادئك فاعلم أنك لن تصل إلي أي شيء ومهما بزغ نجمك لابد وأن ينطفيء في أحد الأيام لأنك تخليت عن مبدأك في يوم مثله ، عاد خالد إلي المنزل ومازال يحدوه الأمل وأخبر والدته بالإتصال المفاجيء فطمأنته بأن غذا أفضل مادمت محافظا علي مبادئك وشرعت في إعداد الطعام ، ولم يمض الأسبوعان حتي وجد خالد هاتفه يرن وكانت السكرتيره تخبره بالميعاد الجديد وأجري المقابله وأتفقا أن يبحثا جميع أبحاثه – أبحاث خالد – وكانت البداية بمشروع الجهاز الذي يعمل بحرارة الإنسان وقد لاقي قبولا كبير وهكذا بدأ خالد يسطر أولي صفحاته في عالم الكمبيوتر وبداية جديدة في عالمه .

ليست هناك تعليقات: