الخميس، 12 يوليو 2012

الحبيب الأولي " قصة قصيرة "








وكنت أسير على غير هدى لا أعرف أين أتجه ولا أتذكر من أين خرجت ؟! وتتلاطم الأفكار في ذهني كتلاطم الموج في أعتى نوة شتوية ولا أدري كم من الوقت ظللت على هذه الحالة ! ولكن استقر بي المقام على إحدى ضفتي النيل ووجدت القمر يداعب سطح الماء ويظهر حسنه ودلاله ورفعت نظري إلى السماء فوجدت القمر وحوله كوكبة من النجوم على مد البصر وكانت إحدى الليالي الصيفية في ليل القاهرة الساحر وأخذتني الدهشة ! فأي قمر أرى ! والليلة ليست قمرية بل الليلة لا يفترض أن يكون لها أي وجه من أوجه القمر وهالني الأمر فرفعت بصري ثانية إلى السماء فوجدت القمر , أخرجت الهاتف الجوال لأتفقد التقويم فإذا بي محقا ! فمن أين يشرق هذا القمر ؟ ولماذا هو بهذا الكم من البهاء والصفاء الذي لم أعهده من قبل ؟ فقررت أن أرفع بصري الثالثة وأدقق النظر في القمر وكوكبة النجوم حوله وفعلت وقد رأيت منظرا لن أنساه طيلة عمري , فرأيت أن النجوم تراصت حول القمر لترسم له قلبا والقمر في منتصفه تماما , شرقت وغربت وأدبرت وأقدمت ومن كل الإتجاهات أرى نفس المنظر فقلت في نفسي "إنما تلك الصورة الجميلة إلا أضغاث أحلام" وقررت أن أسأل أول من يمر بجانبي ونظرت حولي فلم أجد أي شئ وطال بي المقام ولم يظهر أحد فقلت في نفسي "هل أحلم ؟" وتدافعت أسئلة كثيرة في ذهني وأخرجني منها صوت يأتي من أسفل يقول : "مش عاوز تتمشى في النيل يا بيه" دققت النظر فإذا به رجل كهل وكان لي بمثابة طوق النجاة , لا أعرف حقيقة القمر كيف لا وهو الوحيد الذي رأيته بعد دقائق طويلة مرت كالدهر . نزلت له وتعرفنا والرجل اسمه "جابر" ويعلو وجهه ابتسامة المصري الجميلة ووجهه يبوح بالطيبة وكل الصفات التي تحب أن تراها قد تجمعت في هذا الرجل ولهجته القديمة وعندما ركبت معه كأن الزمن عاد للوراء , فكل شئ جميل بل رائع فسبحان المبدع فزاد بهاء القمر على صفحة النيل وكنت في عالم آخر ولم أسأل عم جابر في بداية الأمر عن شئ ولكني بعد قليل من الوقت لم أتبين مقداره وجدته يقول "الله يرحمك يا كريمة , كده بقالك عشر سنين بالتمام والكمال سيباني لوحدي" وإغرورقت عيناه بالدموع فهدأت من روعه وأخبرني بأن كريمة هي رفيقة دربه لآكثر من ربع قرن ولم يرزقهما الله بأولاد ولم يعترضا على حكمته فكان كل منهما للآخر بمثابة الزوج والطفل والصديق حتى توفاها الله , فقلت له "جميل جدا أن أجد أحدا مخلصا في حبه لهذه الدرجة ولماذا لم تتزوج بإمرأة ترعى شئونك " مسح عينيه من الدمع وقال في حدة "بقى انت عايزني اتجوز بعد كريمة دا أنا أموت قبل ما أفكر في كده , وبعدين ايه حكاية الإخلاص دي ما انت اللي جابك هنا الإخلاص" هالني ما قال وقلت له "ماذا تعرف عني لتقل ما قلته ؟ وعن أي إخلاص تتحدث ؟" صمت برهة و أردف قائلا "بص يا بني أنا شفت ناس واتعلمت ودورت ولفيت بعدد أيام عمرك , وواضح عليك كده انك بتحب واحدة وهي مش مدياك ريق حلو والدنيا ملطشة معاك اليومين دول على الآخر وانت محتار وتايه ومش عارف تعمل ايه ! صح يا بني ولا انا غلطان " نزل كلامه وتشخيصه لحالتي النفسي كالصاعقة فلم أرد لأحد أن يعرف ما مررت به من حب طرفي وكانت الظروف تدفعني بشدة الى المجهول بعد رفضها وإخفاقي لم أعرف ما يجب عليّ فعله الآن , ولكني قررت أن أسأله عن القمر والنجوم وأني لم أرى أحدا في الشارع فقال لي "لو بصيت كمان مرة هتلاقي النجوم عاملة قلب وصورتها ف النص" لم أتوان عن النظر الى السماء فكان كما قال وجدت صورتها في أبدع ما تكون فسبحان المبدع . وشعرت بخفقان سريع لقلبي وتداعت أمامي الصور والحوارات التي دارت بيننا وظللت أتذكر كلماتي وكلماتها وكيف أنها لم تسد الطريق أمامي ولم تفتحه أيضا بل وقفت على نقطة أقرب من النقطة السابقة التي كنت أقفها معها ولم يدر ذهني أي شئ بعدها وتلاشت جميع الأفكار تماما وأخذني صمت طويل واستلقيت على ظهري شاخصا بصري الى السماء أستمتع بصورتها , وأوقف عم جابر المركبة وكأنه يساعدني على التدبر في الأمر وماذا أفعل ولم يمض من الوقت الكثير ولم آخذ قراري بعد وداهمنا صوت المؤذن لصلاة الفجر "الله أكبر ... الله أكبر" وأدار عم جابر موتور المركبة وعدنا للشاطئ لنصلي الفجر , وآخر ما جاء في ذهني قول لأبي تمام :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى         ما الحب الا للحبيب الأولي

ليست هناك تعليقات: