الأحد، 1 أبريل 2012

لؤلؤة المستحيل " قصة قصيرة "





بدا الليل أكثر ظلمة من ذي قبل على الرغم من كونها ليلة قمرية , أضف الى ذلك الأضواء المضاءة على جانبي الطريق . أحس أنه يسير منفردا على الرغم من ازدحام الطريق وكثرة الصخب حوله وكان يسير على غير هدى وكأنه نسي وجهته التي يريد الذهاب اليها . كانت خطواته بطيئة وكأنه سلحفاة تسير في الطريق . كاد عقله يطيش من شدة التفكير وقلبه ينفجر من كثرة الأحزان فقد كان يفكر في أشياء عديدة منها "البحث عن عمل" & "التحدث إلى الانسانة التي أحبها طويلا" & "الدراسة التي لم ينهها بعد وهل كان مصيبا في قراره أم لا" & "أصحابه الذين لم يعودوا كما كانوا عليه من قبل ولم يعرف السبب" ... وغيرها الكثير من الأشياء التي أورثته حزن القلب . جال في خاطره أن يقدم على الإنتحار ولكنه سرعان ما تجاوز هذا الخاطر عندما سمع أحد الباعة الجائلين يقول : "ما كسبنا فيها صلاة النبي" تمتم الصلاة على النبي – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ولم يلتفت الى البائع ولم يتبين سلعته . انعطف الى الشارع المؤدي الى منزله وبدا أقصر من الشارع الأول وأرفع منه وكذلك أهدأ , سارع خطواته قليلا لكي يصل الى بيته ولكن أوقفته فكرة وأخذ يحدث نفسه بها ... كانت الفكرة أن يهب ضعف عدد السنوات التي يرجع بها للخلف الى الآخرين, مثل : ذلك الشيخ الكبير الذي توفى قبل أن يحضر زفاف ابنه أو الزوج الذي لم يفرح بمولوده الأول أو الشاب الذي مات قبل أن يودع أمه أو تلك الطفلة البريئة التي دهستها سيارة وهي تلهو في الشارع مع رفاقها حيث كان السائق متهورا أو الى من يحمل بريدا مهما ومات قبل أن يوصله (لمن يريد) لصاحبه , لقد كانت الفكرة غريبة حقا جعلت قلبه يتسارع في الخفقان ووقف لها شعر رأسه ولكنه رددها بصوت عال : "لا ضرر من الرجوع للخلف بضع سنوات على أن أمنح تلك السنوات من الماضي وضعفها من المستقبل لهؤلاء من يحتاجونها وأستطيع ان أغير حياتي وأتعلم من أخطائي وما وقعت فيه من آثام وأحزان وأتجاوزها بما أملك من خبرة , لكن هيهات أن يحدث هذا كيف أستطيع أن أرجع بالعمر وأهب ضعفه ؟ كيف ؟ كيف ؟!" . صمت برهة قبل أن يظهر له ظل رجل وهنا اكتشف سطوع القمر في السماء ليكشف له عن شخص لم يتبين ملامحه ولا أوصافه وكل ما استطاع أن يميزه هو ذلك الجاكيت الطويل الذي يكاد يصل لركبتي من يقف أمامه وكان قصيرا , قال له : "من انت ؟" فرد بصوته الخشن فعرف أنه رجل "أنا من سيحقق لك حلمك!" فغر صاحبنا فاه ولم يدرك ما يقول ولكنه استجمع قواه وقال له بكل رباطة جأش : "من انت ؟" فرد الرجل ثانية "أنا من سيحقق لك حلمك"
-         أي حلم ؟
-         أن ترجع بعمرك للخلف على أن تهب ضعف تلك السنوات لمن يستحقها
-         وكيف عرفت أني احلم بذلك ؟
-         ليس من شأنك أن تعرف ولكن اذا أردت أن تفعل ما حلمت به فأخبرني بذلك الآن فإن الفرص لا تأتي للإنسان كثيرا وعليه أن يستغلها إن أتت
-         وكم عاما تستطيع أن تعيدني ؟
-         إلى يوم ولادتك إن شئت
-         لا ... بل أربعة اعوام تكفي
-         لك ما أردت .. ولكن هل أنت على يقين من أنك تريد العودة تلك الأربعة أعوام وتهب ثمانية أعوام من عمرك ؟
-         "بكل ثقة" نعم أريد ذلك
-         لك ما أردت
وعاد به الزمان الى حيث أراد أن يكون وها هو يرى الفتاة التي كان يعتصر قلبه حبا لها ولكنه لا يعرفها , وهذا الشاب الذي صار رفيقا له لم يعرفه بعد وأصبح كل شئ حوله غريب يشعر أنه زار هذا المكان من قبل ولكن متى ؟ لا يدري ولا يتذكر !
وتدور دائرة الأيام سريعة كانت أم بطيئة لا يهم , فالأهم من ذلك هو أن صاحبنا عاد ليفعل نفس الأفعال ثانية وأحب نفس الفتاة وصاحب نفس الشاب وعاد يسير ثانية نفس المشية في ذلك الطريق بنفس المشاعر والأحاسيس , إلا أنه فقد من عمره اثنا عشر عاما .
وصل بيته أخيرا , دخل غرفته واسترخى على سريره .. فراح في ثبات عميق .
أشرقت شمس الصباح معلنا يوما جديدا فارتدى كامل ثيابه ونزل ليقابل الفتاة – صدفة- فيتبادلا أطراف الحديث ويشرح لها ظروفه وتقبل الفتاة بذلك وتعترف بحبها هي الأخرى له .. ويرن هاتفه ليجد صديقه القديم قد عاد ليطمئنه على اخباره مرة أخرى .. وبعدها يجد العمل المناسب الذي يريد أن يحصل عليه أي شاب .. وها هو ينتهي من إعداد كل لوازم الفرح , وارتدى بدلته السوداء ولكنه وجد ذلك الرجل الذي اعاده الأربعة اعوام ليخبره أن تلك الاثنا عشر عشرة عاما التي وهبتها لغيرك لم تكن سوى السنوات التي ستقضيها في سعادة مع من تحب ولم يتبق لك على قيد الحياة سوى لحظات ... وقبض روحه .

 A_mohmady@yahoo.com ***

@ahmedmohmady

هناك تعليق واحد:

احمد يقول...

رااااااااائعة