آه منك أيتها القاهرة الساحرة ، ما إن يقترب موعد المغادرة إلا ونجد إنقباضا في القلب وتصبح النفس ثقيلة وإن كان الخروج منك لمجرد الفسحة وما إن نعلم أننا أصبحنا علي أبوابك لا يسع النفس لإلا أن تطير في هوائك الهادر الآثر الذي ينفحنا بنسماته معلنا استقبالك لنا و احتضاننا من جديد .
آه منك يا مدينة الألف مئذنة فمهما سمعت الأذن أصوات المؤذنين في شتي البقاع وإن كان داخل الحرم المكي المبارك إلا أن أصوات أذانك له طابعة الخاص ورونقه علي الأذن التي تطرب بسماع صوت الآذان فيكي وإن كان بعض المؤذنين لا يحسنون الأداء فأصواتهم خشنة وخناهرهم ملتهبة لا تستطيع أن تخرج الأذان في أبهي صورة له ولكن عشق المكان يضيف شيئا خاصا لا نحس به إلا فيكي .
آه من أبنائك وتلك السماحة الغريبة تطل من الأوجه وتلك البسمة علي شفتي تشققتا من كثرة الهموم .
آه من ليلك ايتها اللؤلؤة وجمال الأضواء يضفي فيكي سحرا غريبا ، نسمات ليلك تداعب كل من تمر به تخرج الحزين من همه و ألمه و تدخل السرور وتزيدة لكل فرحان .
آه من نيلك التي تكتشح صفحته بالسواد الكاتم وكأنه ليس ما نشرب ولكنه وعلي الرغم من سواده له رونقة وبريقة الخاص فمجرد النظر إليه تريح النظر وتشفي العليل والإبحار فيه عندي بكل الدنيا .
آه وألف آه بل أكتر من آلاف الآهات لا تكفي ومهما بلغ الأدباء علما ومكانة وفصاحة وبلاغة وعشقا لن يستطيعوا أن يصفوكي ولو بأقل القليل .