هدأت أصوات الحاضرين بعد عنفوانها حينما
سمعوا صوت الحاجب يقول : محكمة ؛ ودخل القضاة وجلسوا في أماكنهم وظل الجميع نظرة
معلقا بالقضاة تارة وبالسجين تارة أخري فهي القضية الأولي التي تشهدها البلاد التي
تعيش عصرها الذهبي في الحرية المزعومة فها هو السجين الذي لا يعرف ما تهمته غير
أنه يقوم بتهديد مصلحة الوطن واستقلاله ! .
ارتفعت أصوات المحامين مجلجلة في قاعة
المحكمة بين مؤيدين للتهمة وبين معارضيها حيث انه التهمة بدون أدلة تذكر ولكن
هيهات أن يطيع أحد القانون صاغه بهض الترزية الملتحفين بلحاف القانون وها هم الآن
ينتظرون قرار القاضي في الذي بدأ كلامه بعد أن شخصت الأبصار مرة أخري له وبدا علي
الجميع الذهول حينما كان الحكم بالإعدام شنقا ! .
تعالي صوت البكاء من أهل السجين ومعارفة
وأصدقاءة وظل المحامين في دهشتهم منذ سماعهم الحكم لكنة ظل مرفوع الرأس لم يطاطأها
وتواري عن أعين الكاميرات باسم الثغر ، بشوش الوجه منير . أدخلوه غرفة الإعدام
وأثناء ذهابة طلب من السجان بعض الأوراق والأقلام ليكتب لزوجتة الغالية شيئا في
غاية الأهمية ولبي له السجان بالفعل طلبه وأحضر له الأوراق والأقلام وطلب منه ألا
يخبر أحد أنه قام بهذا الفعل وعده بأن أحد لن يري هذه الأوراق بعد أن شكره علي
صنيعه معه وبدأ يكتب :
" أتيت إلي الدنيا رغما عني ... وسأرحل
عنها أيضا رغما عني ، أتيت في ساعة اشتهاء أبي لأمي ... وسأرحل في ساعة انتشاء
الظالم بظلمة ... الأولي حب في البقاء ... والثانية عشق الفناء . ولكني قررت أن
أبقي علي قيد الحياة حتي بعد ان يتواري جسدي تحت التراب وقد أمعن السجان في تعذيبي
وأمعن القاضي في موالسه الحاكم في قتل كل روح نقية بيضاء بريئة كبراءة الذئب من دم
بن يعقوب – عليهما السلام - ، فالثري لا يختلط بالثريا ولابد أن يعطي كل ذي حق حقه
ولن يرضي أحد بالظلم بعد اليوم ولذلك قررت ان أكتب وأي شيء غير الكتابة يجعلك تخرج
ما يحيك بصدرك دون قلق من بطش ظالم او طاغية ؟ أي شيء غير الكتابة يخلد صاحبه شرط
أن تكون من القلب فكم من كاتب واراه التراب ولم يعرف قدره المحيطون به وظلت
كتاباته شاهده علي نبوغه وبراعته ومقاومتة لكل الظروف لكي يكتب ومازالت كتبه منبع
للثقافة والعلم ، فالكتابة هي حياة أخري فحينما أقرأ لا أجد سطرا مطبوعا في كتاب
بل أجد روح الكاتب ووحيه والهامة ، فقلمة الذي وضعه علي الورق لكي يخرج لنا عصارة
ما في قلبه من مشاعر وأحاسيس وآلام وأفراح وشجون وجنون ماهو إلا مرآه الكاتب
وثقافته من خلال وضعه الكلمات في صفوف تكون جملا تصل إلي حد الإبداع كأنه خلقها
فأبدع في خلقها ، كلمات تخرج من القلب فتدخل تلقائيا إلي القلب فلا يسع القلب إلا
أن يجد لها مكانا . قررت أن أكتب لا لأثبت أنني بريء فبراءتي واضحة للعين البصيرة
كوضوح الشمس في عنان السماء وكوضوح القمر في ليلة قمراء سوداء مظلمة وهذه هي طبيعة
الحق لا تراه واضحا ولا تسطتيع أن تميزه إلا في شدة الظلم . قررت أن أكتب ليجد من
أراد أن يعلوا صوت الحق السلوي ويلهم نفسه الصبر ويعلمها أنه كالمسافر علي طريق من
الأشواك يسير عليه بدون حذاء ولا يستطيع نزع الأشواك عن قدمية أو عن الطريق قبل أن
يصل نهايته ويعلم حدود طريقة ويعلم الناس الحق من الضلال وينظروا إلي الجوهر ولا
تخدعهم المظاهر البراقة فكم من مريض ظن الناس من مظهره أنه في كامل صحته وريعان
شبابه وكم من غني ضنه الناس في أشد الحاجة لحرضه الشديد وملابسه الباليه ؟ . قررت
أن أكتب وأنا علي حافة الموت لأعظ نفسي قبل أن أعظ أحدا وأطلب من الله العفو
والمغفرة والصفح وقبل أن اختم اشهد الله ثم الجميع أنني سامحت كل من أخطأ في حقي
واتهمني بالعماله والخيانة والعمل لغير مصلحة أهل بلدي ورفعة وظني وأطلب من الجميع
مسامحتي ومن أخطأت في حقهم بصفة خاصة والسلام ختام فلقد حان وقت تنفيذ حكم الإعدام
وها قد أتي السجان "
كانت هذه الأوراق التي لم يستطع دسها في
الظرف البني الذي أعطاه له السجان وقبل أن ينفذ الحكم طلب من السجان وضع هذه
الأوراق بجوار ما بالظرف وأن يسلم الظرف إلي زوجته ضي عينينه وروح قلبه ، وكان قد
أرفق مع الأوراق جوابا خاصا لزوجتخ أتي فيه :
" زوجتي الغالية ... بعد خالص الأشواق
فأنت وحدك من تعلمين حقيقة حبي لكي ، وأنت تقرأئين هذه الكلمات سأكون قد فارقت
الحياة وأصبحت فيها مجرد ذكري فأرجو منك ان تتجلدي وتكوني كما عهدتك هادئة تفكري
مليا تحكمي عقلك في كل شيء ... لن أطلب منك شيئا محدد سوي أن تتوقفي عن البكا
وتقرئي الأوراق المرفقة بالجواب وتتصرفي بهما كيفما أردتي ... والسلام ختام زوجك
العزيز "
جففت الزوجة دموعها وقرءت الأوراق المرفقة
لكنها لم تتمالك نفسها فانهمرت دموعها وكأن السسماء غاضبة في ليلة ملبدة قارصة
البرد وجلست تفكر فيما تفعل بهذه الأوراق
أغلي ماكتب حبيها ورفيق دربها زوجها الغالي
لكن عاجلها الهاتف قبل ان تصل لأي قرار وكان المتصل أرئيس تحرير أشهر صحيفة
معارضة في البلاد وطلب منها إجراء حوار صحفي معها بخصوص زوجها بعد أن علم أن آخر
ما تلفظ به الشهيد : " في القريب العاجل سيعرف القاصي والداني من كان يعمل
لصالح الوطن ومن كان يعمل ضده " . حاولت جاهدة ان تتمالك نفسها من شدة البكاء
وانتظرها رئيس التحرير طويلا حتي أتي صوتها في غاية الوقار المشوب بالحزن والهدوء
والذي لا يخلوا من السكينة وقالت له : " لك ما أردت يا سيدي ولك فوق ذلك آخر
ماكتبه الشهيد ووضعت السماعه وذهبت لكي تستريح قبل لقاء رئيس التحرير الذي سيقوم
معها بالحوارشخصيا بعدما سمع منها ما قالت فلقد كانت فرحته وسعادته بهذا الإنفراد
بالغة وكاد يطيش عقله منها فهو سبق صحفي لا يحدث في تاريخ الصحافة كثرا ، وفي
الموعد المحدد كان رئيس التحرير يقف علي الباب يقرعة ويقرع قلبه قفصه الصدري من
السعاده ، فتحت له زوجة الشهيد وبعد أن ضيفته وأجرت معه الحوار الذي أراده رئيس
التحرير قدمت له الأوراق الذي أخذها كالمنتصر في الحرب وسرعان ماتحولت ملامحه وزرف
الدمع من عينه وهو الصعيدي المعروف عنه الجلد والصبر وبعد ان انتهي من قراءة
الأوراق وعدها أن يبدأ في حملته الدعائية لهذه الأوراق من صباح الغد وسيكون موعد
نشرها في العيد القومي للبلاد ليعرف الجميع الحقيقة .
تهافت الجميع علي شراء الصحيفة السيارة والتي
حققت مبيعات قياسية وانهالت الاتصالات علي زوجة الشهيد من الكتاب والصحفيين
والمنتجين لكي يحولوا قصة حياة زوجها إلي فيلم سينمائي وتوثيق حياة زوجها لكن
الزوجة افظتهم جميعا في عزة وإباء لأنها تعلم أنه لا أحد من الذين تهافتوا عليها
سيكتب حياة الشهيد كما أرادها وقدمت الورق لأحد الكتاب الشباب بعدما رأت ما كتبه
وأن الحماسة تشع من قلمة ممزوجا بخبرة لا بأس بها ولم يخيب ظنها وقام بالفعل بعمل
الفيلم الذي نال عليه أحسن كاتب شباب في عام عرضة ... وبدأت شرارة الثورة
7/7/2012
A_mohmady@yahoo.com ***